بعد صلاة الفجر بشوية النهاردة وأنا بتفرج على العالم من خلال محروس "اللابتوب بتاعي" اللي ضهره اتملى استكرز وخد عندك بقى من أول استكرات "لا للمحاكمات العسكرية للمدنيين" على "الحرية لمايكل نبيل" وطبعا "الاشتراكيين الثوريين" .. عادة ماما بتصحى في الوقت ده وتبتدي يومها الحافل كالعادة..
ولكن اليوم النهاردة فيه تعديل بسيط.. أو ركن مفقود.
البيت هادي تماما ومفيش الا صوت شوية مزيكا من الثلاثي جبران اللي بتناسب الجو أو الوقت.. شوية كده وسمعت صوت يشبه صوت عياط وجاي من ناحية الاوضة بتاعتي وباستغراب شديد جدا مشيت ناحية الصوت..
دخلت الاوضة لقيت امي بتعيط وماسكة المخدة اللي بينام عليها احمد اخويا وواخدها في حضنها وصوت بكاها بيزيد قوي.. اصل النهاردة أول يوم لاحمد اخويا برة البيت لانه دلوقتي رسميا مجند في الجيش..
ماما زي اي أم مش بشك إنها بتحب ولادها بجنون ويمكن ده احيانا بيسبب مشاكل وخلافات بينا.. ولكن لما لقيتها في الحالة دي معرفتش اتصرف وملامح وشي اتجمدت بس مش بسبب البرد القارص..
احمد كان واحش ماما قوي.. وواحشني أنا كمان
"يا ترى عرف ينام امبارح ؟ يا ترى موقفنهم في البرد ده إزاي دلوقتي؟" اسئلة ماما سألتها لما خستها في حضني وأنا واقف..
معروف عني إني مش من الناس اللي بتعرف تبرز مشاعرها الحقيقية بالذات في اوقات الحزن وبظهر بمظهر بارد حتى لو جوايا بموت من الالم.. حتى إن احد الاصدقاء مرة قال لي "جبل الصمت اللي أنت فيه ده وراه وديان حزن.." بس أعمل إيه إذا كان شغلي كطبيب بيطغى على مشاعري احيانا وبضطر إلى ارتداء قناع "الجراح البارد"
يمكن هذا الوجه القبيح الطاغي عليَّ معظم الوقت كان هيطلع على لساني وامي في حضني..
اضايقت من نفسي لما فكرت للحظة واحدة إني اجاوبها بان "تخيلي لو إنتي مكان واحدة من اللي ولادهم محاكمين عسكريا .. أو ابنك معتقل .. أو أم شهيد .. أو أم مفقود .. على الاقل إنتي عارفة ابنك راح فين.."
الواحد في وقت قصير جدا شاف كتير قوي.. سمع حواديت مؤلمة أكتر.. فقد ناس كتير..
قبل الموقف ده بساعات قليلة جدا سمعت خبر استشهاد احد رفاق الميدان على يد بلطجية .. الشهيد: محمد جمال "جو المصري"
صحيح معرفتوش لمدة طويلة.. ولكن للميدان ومعارف الميدان قوانين اخرى..
كان جدع قوي.. راجل بجد!
العجيب هو إني اسقبلت الخبر وملامح وشي برده متجمدة.. من جوايا حزن مش قادر اوصفه وعنيا فيها دموع بس برضه متجمدة.
الظاهر فعلا إني اتغيرت ومضطر أنزل عند اقاويل وملاحظات اصدقائي من قبل الثورة واقبل علنا اللي برفض البوح بيه وهو إني فعلا اتغيرت.. آه فعلا.. يعني ثورة وبعدها متعدش يا مولانا.. عاطف .. السفارة .. العباسية .. البالون .. السفارة تاني .. محمد محمود .. مجلس الوزرا .. ولسة..
مينفعش إنسان طبيعي يمر بكل ده ويسكت, كل يوم عدى عليا في الحواديت دي كان رهيب فيه تفاصيل لما بفتكرها ببكي.. يعني مثلا عمري ماحاضر أنسى اننا لما عاطف اتصاب مكناش قادرين نكلم أمه عشان تعرف إنه واخد رصاصة في راسه عشان بيقول يا فلسطين احنا معاكي ليوم الدين..
نرجع لماما..
فضلت ساكت وماما بتعيط في حضني وبتقولي خد بالك من نفسك
كنت ساكت عشان مش قادر اوعدها..
كنت ساكت عشان بفكر في إحساس الأمهات التانيين اللي مصيبتهم مصيبة..
كنت ساكت عشان شايل في رقبتي دم..
سبت ماما ورجعت مكاني على اللابتوب في ركني المفضل في البيت..
بسأل سؤالي اللي عارف اجابته ... هو ليه الناس الكويسة بس اللي بتموت؟ ليه ..
اليومين دول بعيش حالة عجيبة فعلا..
محاولة ترقب للاحداث يتخللها امل وانتظار ويمكن بحاول الحي نفسي باي حاجة..
لخبطة كبيرة جدا في الشغل والبيت ويمكن الحب بدا يتأثر بس بحاول اتسند عليها عشان بحب قوتها قوي.
همومي مبقتش شخصية على الرغم من إني محتاج أكون أناني في العالم ده بس مش عارف .. ومش قادر أعمل نفسي ناسي.
ولو حصل حاجة أو لو محصلش مش هقفل على نفسي .. لا أنا متفائل وعارف إن الخير بينتصر في الآخِر وهننتصر..
بس يمكن خايف..
مهما زاد الوقت وبعدت المسافة .. العالم هيكون مكان افضل.
مهما حصل هبتسم برضه ..